القائمة الرئيسية

الصفحات

 "الاغتراب عند شارلي شابلن"

شابلن من فيلم حُمى الذهب


دائمًا ما تكون نظرة الغير لشابلن نظرة مليئة بالسخرية موجهة لذاك القصير ذي الهيئة الهزيلة ذات الشارب المضحك والقبعة التي هو دائم لفقدانها والعصا التي يتكئ عليها لتبدو مشيته في الأخير كأوزة فقدت أمها..


ذاك المهرج ذو الهيئة الهزلية لم يعتد الجمهور سوى مقابلته بالضحك والسخرية من المواقف التي دائمًا ما يقحم نفسه فيها واصفين إياه بالساذج..


يرى الروسي سيرجي أيزنشتاين أو كما يطلق عليه "الأب الروحي للمونتاج" شابلن بنظرة مغايرة فهو يراه كطفل صغير يجهل للمعاناة معنًا ولذلك فإنه لا يرى في العالم سوى الجانب المضحك وطبقًا لرؤية أيزنشتاين فإن شابلن ذاك الطفل الصغير تحركه البراءة، لا يستطيع مجابهة قسوة العالم أو الاعتراف بها وبالتالي فإنه في حرب دائمة مع الشر الذي يعتلي العالم مؤكدًا على ضرورة إنكاره وعليه فإن شابلن دائمًا ما يصلب نفسه من ..أجل الآخرين في أفلامه

يروي آيزنشتاين في مذكراته قصة عن زوجة تعتلي زوجها وهو راقد على بطنه مغمض العينين وتبدأ بلطمه وتعنيفه وهو يهتز يمينًا ويسارًا وكأنه في حالة سكر، يراقب المشهد بعض الأطفال الصغار من بعيد وهم يضحكون من ذلك المشهد الذي يرونه، يقول آيزنشتاين أن الزوج هو ميت وليس في حالة سكر وأن الزوجه تبدأ بلطمه وتنهيره لأنه تركها هي وأولادها ولا تستطيع وحدها أن ترعى الأولاد فتوبخه بدورها على موته..

يرى آيزنشتاين أن الأولاد الذين يضحكون هم مثل شابلن فهم يرفضون رؤية الجانب المأسوي من الحكاية ولا يهمهم سوى الضحك، ولذا فشابلن بدوره يسخر من المأساة..

 تتجلى محاولة شابلن صلب نفسه وتحمل قسوة العالم ومقابلتها بالضحك كما في

 "City lights" 

 يكون كل شغله الشاغل هو أن تبصر الفتاة الكفيفة والتي نبعت رغبته في مساعدتها من حبه الأفلاطوني إليها، يظهر ذلك أيضًا في فيلمه "The kid" عندما يتعرض للإهانة والمعاناة في سبيل خلاص الطفل الصغير أما وحدة شابلن فتتجلى في فيلمه 

"The Circus"

عندما تعرض عليه الفتاة أن يأتي معهم لمكان آخر ويرفض متمنيًا لها حياة سعيدة تلك التي أحبها، ينتهي به الأمر وحيدًا مع أغراضه مديرًا ظهره للحياة وكأنه لا يأبه بها ويمشي مشيته الأوزة المعتادة الساخرة من كل شيء..




يعُرف ماركس الاغتراب بأنه النتيجة لعيش الفرد في مجتمع رأسمالي يحكمه الطبقية، يتناسى ذاته فيه ويصبح جزءًا ميكانيكيًا كترسٍ في آلة وذلك ما يجعله مغتربًا عن انسانيته ونفسه..


جسد شابلن مفهوم الاغتراب عند ماركس بفيلمين هما 

"The gold rush" 

"Modern times" 

فيلم أزمنة حديثة


في فيلمه أزمه حديثة فإنه يمثل إنسان الطبقة البروليتارية المُعدمة وحتى فإنه يحاكي تعريف ماركس بأن الإنسان أصبح جزءًا ميكانيكيًا في الآلة تمثيلًا حرفيًا لمضمون الكلمة وتعبيرًا عن فقدان الفرد لكينونته وذاته الإنسانية متماهيًا في آلته التي يجني من وراءها قوت عيشه وفي مشهد آخر يرى جموع البشر كخِراف في أسراب تناسوا ذواتهم..


أما في فيلمه حُمى الذهب فيسأم شابلن من هوس الآخرين بالذهب ويستعجب تهافتهم الدائم في الحصول عليه وعلى النقيض فهو الشحاذ الذي يحلم بأن حذاءه أشبه بقطعة لحم يحاول التهامها.. 


يتجسد اغتراب شابلن بإحدى المشاهد في حُمى الذهب فبعد عناءه في رحلة طويلة يقف بداخل إحدى البارات منذويًا بنفسه في أحد أركانه مستنكرًا السلوك البشري الذي سيطر عليه وهم المادية وهو كعادته وحيدًا ترافقه براءته التي كانت دومًا ونيسًا له.. 


إن وقوف شابلن الدائم في مواجهة العالم هو تعبير صارخ في نفسه يعلن به انتهاء عصر البراءة وبُعد الإنسان عن ذاته ولكنه يتحلى ببعض الأمل فلا يستنكر وجود ونيسٍ له يواجه معه قسوة العالم كما يتجلى في نهاية أزمنة حديثة فنجده في 

.الأخير مديرًا ظهره للعالم وقد وجد الحب


نهاية فيلم أزمنة حديثة

   



تعليقات