القائمة الرئيسية

الصفحات

 "تارانتينو وسينما الشِعر" 

 

الاستنباط الشعري هو أقرب إلى القوانين التي بواسطتها يتطور الفكر وبالتالي فهو أكثر اقترانًا بالحياة نفسها من منطق الدراما التقليدية، من خلال الصلات الشعرية يتم تصعيد وتعميق الشعور ويصير المتلقي فعالًا أكثر لأنه لا يسير وفق الحبكة المرسومة من قِبل صاحب العمل، إن المنطق المعتاد "منطق التعاقبية الطولية" هو غير مريح لأنه أشبه بإثبات نظرية هندسية وهو أقل خصوبة فنيًا من الربط بالتداعي الذي يربط الفكر والشعور معًا..


-من كتاب النحت في الزمن لأندريه تاركوفسكي




  يضع تاركوفسكي مفارقة بين منطق الدراما التقليدية المبني على السرد التعاقبي وبين السرد المبني على الصلات الشعورية ويرى أن الصلات الشعورية هي أكثر قربًا حتى للحياة الواقعية وبذلك فهو يرى أن الربط عن طريق الصلات الشعورية تلك يعمل وفق نهج ذاكرة الإنسان وتداعي أفكارها وذكرياتها وبالتالي فهو مبني على التيه والعبث أكثر من كونه  مُمنطقًا.. 

يشيع استخدام منطق التعاقبية الطولية في غالب الأفلام الدرامية.. مثال: سينما الواقعية الإيطالية 

الصلات الشعرية كما في أفلام ثيو أنجيلبولوس وفرانكو بيافولي فأنجيلوبولوس مثلًا ينتقل من الماضي إلى الحاضر في فيلمه اللاعبون الجوالون في خلال ثواني معدودة ولا يكاد يشعر المتلقي بذلك الانتقال حتى..


بازوليني في نظرية الشعر يضع النثر في مقابل الشعر فيرى أنه كلما ابتعدنا عن السرد القصصي المعتاد نتجه أكثر نحو سينما شاعرية صِرفة ويرى بازوليني أن السينما الشاعرية هي خلط بين عالم الأحلام والذكريات وبين الواقع ويشيع ذلك في التيمة السريالية كما في أفلام ديفيد لينش ولويس بونويل حيث يمتزج كلا العالميَن ببعضهما البعض وتمتد نظرية بازوليني أيضًا حيث تشمل المخرج والمؤلف حين رغبتهما بالتعبير عن ذواتهم فيلجأ صانع العمل حينها إلى خلق شخصية في العمل تتحدث بلسانه ربما خارج سياق العمل نفسه حتى، خودروفسكي في فيلمه رقصة الواقع يطور منظور بازوليني عن الخطاب الحر غير المباشر فيتوغل هو نفسه بداخل الفيلم ويبدأ بالتعبير عن نفسه المُعذبة..


سينما تارنتينو هي سينما تنتمي إلى أفلام الحركة وكما هو شائع عند الكثير فهم يرون أن كثرة الحركة تتعارض بالضرورة مع مفهومهم عن سينما الشعر التي اعتادوا رؤيتها أو تلقيبها بسينما بطيئة واقتصروا وجودها في وجود ظاهري مهملين لأبعادها ومضامينها.. 

وفي سينما تارانتينو نجد أنه في كل مرة يظل مبتعدًا عن السرد التقليدي المعتاد وبذلك فهو يتجه إلى سينما ذات نزعة حلمية، مُجردة، تختلط فيها الذكريات والأحلام بالواقع، يعيد فيها تارانتينو هيكلة الواقع نفسه مستعينًا بمخيلته ويقدم فيها رؤيته من خلال شخصياته لعالم عشوائي دموي قائم على العبث وبذلك ربما يطرح تارانتينو مدخلًا ومفهومًا جديدًا لسينما الشعر.


تعليقات