القائمة الرئيسية

الصفحات

احذر وأنت تحارب الوحوش أن تصبح وحشًا مثلهم-عن أنمي Monster

 Monster


الأنمي الصادر عام 2004 والذي يعد مرجعًا مهمًا لتيمة الجريمة والغموض "القتلة المتسلسلين تحديدًا" ، يبدأ بطرح سؤال له طبيعة ثنائية فهو بسيط ظاهريًا- لكن يملك بعد فلسفي، وهو: 

هل تتساوى أرواح البشر؟

من هنا تبدأ الأسئلة تباعًا، عن ماهية كل من الخير والشر والعدالة، هل للسعادة وجود! 

كيف سيكون الإنسان لو كان بلا ذكريات، بلا حزن يعتليه؟..


  الفترة التي يختار المؤلف أن يسرد فيها قصته هي فترة مفصلية- شديدة الحساسية بالنسبة للتاريخ؛ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية والانتهاء بهدم جدار برلين، هنا يستلهم المؤلف من الواقع فكرة لقصته ويصبح طرحه بمثابة إجابة لسؤال، هل انتهت النازية بسقوط هتلر وألمانيا النازية؟ ولا يكتفي بذلك، بل يتغلل لجوهر الفكر النازي، منبعه، أهدافه، كيف ينتهي الإنسان ليكون وحشًا..


(1)

دكتور تيما- الضمير الإنساني






يجسد تيما ثنائية الاختيار والندم، التي تعذب الإنسان ولا تتوانى عن مهاجمته وصرعه، وانطلاقًا من ما طرحه ميلان كونديرا في روايته "كائن لا تحتمل خفته" فالمعضلة الكبرى التي تواجه الإنسان تكمن في عدم قابلية الزمن على الرجوع، أي أن الاختيار هو مرة واحدة فقط، والحياة لا تسمح بتعدد الإختيارات، وتلك هي العلة الكبرى؛ مرة واحدة فقط لا غير...

إن اختيار تيما في البدء، وهو معالجة الصبي الصغير بدلًا من المسؤول المهم،  يجعل من تيما نادمًا ويحفز بداخله الشعور بالواجب لأن يترك كل شيء وينهي المأساة التي بدأها..


إن الطريق الذي يختاره تيما يفرض عليه أن تكون يداه ملوثة بالدماء ولكن حتى النهاية لا يحدث ذلك، وهنا تمثيل إيجابي لمعضلة مستحيلة طرحها نيتشه 

" احذر وأنت تحارب الوحوش أن تصبح وحشًا مثلهم" 

فتيما وبرغم صراعه مع الوحوش لم يصبح وحشًا في نهاية الأمر، وذلك ما يجعل من تيما شبيه بمُخلص- مسيح جديد، يشفي المرضى وينشر التسامح والمحبة في رحلته...


رغم ذلك فالمميز في القصة هو عدم وجود شر مطلق أو خير مطلق، فتيما نفسه وقت شعوره بالخطر قد نوى قتل روبيرت، المحقق لونجي يحركه الأنانية، جريمر نفسه يتحول إلى دموي عنيف، حتى الأشرار أنفسهم يفتقدون دومًا لشيء حميمي وبريء...


(2)

يوهان ليبرت- الوحش الذي بلا اسم




عن طريق حيلة قصة- داخل قصة، تُسرد قصة خيالية في المسلسل لوحش بلا اسم في بلد مجهولة، يسعى الوحش للحصول على اسم عن طريق إغواء الناس، وكل مرة ينجح الوحش بإغواء أحدهم ينتهي به الأمر بالحصول على اسمه، لكن يمل الوحش، وينتهي به الأمر وحيدًا، أخيرًا يصبح لدى الوحش اسم مميز، لكن لم يوجد من يناديه به..

من هنا يمكن استنباط أن الشرير يوهان ليبرت- الوحش كما يتم تلقيبه يعاني من أزمة هوية، الإسم هنا هو بمثابة الكينونة- الهوية، فما إن يصبح ليوهان اسم يكون بذلك قد اكتسب هويته وشعر بوجوده...


المشكلة التي عانى منها يوهان هنا هي ذاتها التي عانى منها الوحش، فليست المعضلة هنا هي في الحصول على اسم جيد، أو عن كون الشخص مميزًا، الفكرة تكمن في من سيلقب الشخص باسمه؟ من سيكون مهتمًا بأمره، بذاته هو ومحبًا لذاته هو، ذلك ما افتقده يوهان... 

تتجلى تلك العقدة عند يوهان في منتصف الأحداث حينما كان متنكرًا في زي أخته، ويقابل حينها طفلا صغيرا، يخبره الطفل أنه يشعر بالوحدة، ثم يخبره يوهان بدوره أن عليه أن يمشي أميالًا وإن لم يجد من يناديه حينها لا يستحق الحياة، تلك الواقعة تفسر النهاية- عقدة يوهان نفسه، وبالرجوع للماضي وعن سبب حقد يوهان وشره، ينبع كل ذلك من تساؤله ؛ هل قصدت أمه التخلي عنه؟ 

هنا يشعر يوهان أنه غير مرغوب، غير موجود حتى، وعليه فلا داعي للحياة، ويظهر هذا من خلال الاستعداد الدائم ليوهان للموت؛  ففي كل مرة يكون يوهان مهددًا بالموت، يطالب الشخص بأن يصوب في منتصف رأسه، الاستعداد المستمر للموت هنا يدل على الترحيب بالموت، وعلى العذاب المستمر والصراع الذي يعيشه يوهان، وربما يظهر يوهان كأكبر شرير في الحكاية، ولكن في نهاية الأمر يبدو كضحية، ضحية للفكر النازي وللمؤسسات الكبرى، أولئك الوحوش يخلقون بلا وعي منهم وحشا أكبر شرًا، شيطان حقيقي..


 الظروف التي تعرض لها يوهان تخبر بدورها أنه لا وجود للشر المطلق، فحتى "فرانز بونبارتا" منبع الفكرة الشيطانية،يتحول إلى عجوز هرم، ضعيف ونادم...


(3)

ڤولفانج جريمر- شتاينر العظيم" أو الذي قدر له أن يكون وحشًا وصورة للسعادة.




تعتبر شخصية جريمر بمثابة نقيض ليوهان، فجريمر مر بنفس الظروف التي مر بها يوهان، فقد تربى على الأفكار السامة لمنظمة "كيندرهايم 511" وتعرض ابنه للموت، ورغم ذلك يختار جريمر ألا يكون وحشًا، إن وجود جريمر يصنع مفارقة، تكمن في أن الظروف السيئة ليست بالضرورة كافية لخلق وحش، وربما ينطبق الأمر ذاته على "نينا" أخت يوهان، جريمر يعاني الفقد والوحدة الشديدة كيوهان لكنه يختار ذلك أن يكون دافعًا ومحفزًا له بأن ينصر الضعفاء، أن يبتسم دائمًا في وجه الجميع، هنا تكمن الفارق بين يوهان وجريمر وعليه فإن جريمر ينفعل في النهاية ليلوم بونبارتا على أفكاره، فكيف له بأن يذيب الفاصل بين الخير والشر؛ فرضه لفكرة أن الأرض ستكون مكانًا آمنًا عن طريق العنف والإقصاء...


تساؤل يطرحه جريمر 


"هل كانت تلك الشخصية الرئيسية اليافعة ذات الضعف تدرك أنها تتحول إلى العظيم شتاينر عندما تملؤها الثورة والغضب.. أتساءل  إن كان ذلك الرجل اليافع قد أصبح سعيدًا.."


ليجيب عنه في نهاية الأمر بقوله

 

"أنه وجد السعادة المطلقة أخيرًا، في الحزن"


وهنا يعطي جريمر مفهومًا مغايرًا للسعادة، فالسعادة في نظر جريمر لم تكن تلك الابتسامة التي أجاد اصطناعها، ولا اللحظات الممتعة، وإنما في الحزن والبكاء، الشيء الذي يفتقد له حقًا، وكان افتقاده نابعًا من الهروب المستمر الذي يفرضه على نفسه، فابتسامة جريمر لم تكن سوى قيد أيضًا، وتحرره في الأخير يكمن في بكاءه وحزنه على فقد ابنه، وبذلك يرى أنه أخيرًا تحرر ووصل لمفهوم للسعادة، إن جريمر يرى أن الذكريات حتى لو كانت حزينة فهي كفيلة بأن تخلق معنًا للوجود، ويشترك يوهان مع جريمر أيضًا في ذلك، فالشيء الوحيد الذي خاف منه يوهان كان فقدانه لذكرى أخته..


" هل يجب أن أنتحر أم من الأفضل أن أشرب فنجاناً من القهوة؟


ربما ما قاله آلبير كامو هنا، وهو رائد من رواد الفلسفة الوجودية يحدد بالضبط، وباقتصار كيفية الشعور بالهِبات، فالحياة هنا هي أن توجد وتستمتع بأبسط الأشياء، ولو كانت فنجانًا من القهوة، أو كما يرى الإيراني عباس كيارستمي، فطعم حبة توت، ومنظر غروب الشمس والحقول الخضراء هي أسباب كافية للشعور بالحياة...


كانت تلك هي السعادة كما يراها جريمر أيضًا، فهي تكمن في وجبة أو مشروب لذيذ، وكانت السعادة التي افتقد لها يوهان هي الشعور بالحب.

تعليقات