القائمة الرئيسية

الصفحات

الجريمة والعقاب في سينما روبير بريسون- فيلم النشال

 "نشال بريسون بين الجريمة والعقاب" 


عُرفت سينما بريسون بأنها سينما ذات نزعة أدبية فمن تجاربه هي تلك التجارب المُستقاة من الرواية بشكل مباشر ومنها من يحافظ فيها بريسون على الإطار العام للرواية فقط مُحتفظاً بجوهرها..

وبجانب ذلك فإن بريسون قد تأثَر تأثُراً شديداً بالأديب الروسي دوستويفسكي محاكياً له ثلاثة أعمال وهي 

الأبله، الليالي البيضاء، مخلوق لطيف 


إن محاكاة روايتيْ الليالي البيضاء ومخلوق لطيف هي محاكاة مباشرة تنتمي إلى النوع الأول، أما محاكاة بريسون لرواية الأبله فقد كانت محاكاة من النوع الثان مختلفةً كل الاختلاف في ظاهرها متطابقةً كل التطابق مع باطن رواية الأبله...  

 

وبالمثل كانت محاكاة بريسون لرواية دوستويفسكي الجريمة والعقاب، محاكاة تنتمي إلى النوع الثاني..



إن فيلم النشال لبريسون ينتمي إلى النوع الثاني من المحاكاة والذي يحافظ فيه بريسون على النسق العام للرواية مُتحفِظًا فيه على جوهرها وبذلك فإن نشال بريسون هو إعادة إحياء لراسكولنيكوف بطل رواية دوستويفسكي الجريمة والعقاب..


يتشارك كل من راسكولنيكوف بطل الجريمة والعقاب وبطل فيلم بريسون في مذهبهم العدمي فراسكولنيكوف لا يقتل بداعي السرقة بل يقتل لمجرد القتل، القتل النابع من الرغبة في القتل ليس إلا وكذلك كان نشال بريسون يسرق لمجرد السرقة ولذلك تبدو له السرقة فعلاً عفويًا وحين التطرق إلى منبع ذاك الفعل فلا يتضح سوى أنه رغبة ساخطة لاواعية متجذرة في كليهما، كرد فعل انتقامي ضد المجتمع والحياة بأكملها، ولكن يختلف نشال بريسون عن راسكولنيكوف فالسرقة عند نشال بريسون أصبحت منهجًا لحياته أما راسكولنيكوف فالقتل عنده كان فعلاً عابرًا وبالطبع فإن ذلك لا ينفي أن راسكولنيكوف راودته مرارًا فكرة القتل بعد المرة الأولى..


إن الكِبر يعتلي كلا البطلين فقد ترسخت بداخلهما مع الوقت فكرة أن البشر نوعان منهم من هو عبقري، متفرد ومنهم من هو طبيعي محدود القدرات والذكاء ولذلك فهما يرفضان كونهما ينتميان إلى النوع العادي من البشر الذي يستحق الفناء مقابل أن يعيش أولئك العباقرة وبذلك فأفعال مثل القتل والسرقة حتى إن كانت أفعال منبعها الشر فهي في نظرهما تبدو أفعال غير اعتيادية تميزهم عن أولئك العاديين، هم يرفضون في الأخير أن يكونوا قَملاً بالرجوع إلى وصف راسكولنيكوف في الرواية ويُجسد بريسون منظور راسكولنيكوف للبشر في افتتاحية فيلمه النشال عن طريق إظهاره للبشر في حشدٍ كبير كحشود الحشرات.. 


يعترف كل من نشال بريسون وراسكولنيكوف بجُرمه رغبةً في التخلص من العبء الذي يشوب روحيهما وبذلك فهما يخضعان لعقوبة السجن ولكن بلا أي شعورٍ يرافقهما بالندم أو حتى مجرد الرغبة في الدفاع عن نفسيّمها وإلقاء اللوم على عوزِهم فهما مدركان لمنبع رغباتهم ويرفضان نكرانها.. 


الإيمان هو لحظات معدودة عابرة انتابتهما حين الشعور بالحب.. إن الحب هو ما كل احتاجه كل من راسكولنيكوف ونشال بريسون وفي الأخير يكون خلاصهما فيه، يجدان التقبل والحب لكن من وراء القضبان.



-Pickpocket (1959) by Robert Bresson

تعليقات