القائمة الرئيسية

الصفحات

 محاولة صعبة الكتابة عن سبب حبي ليوسف شاهين لكن هو 



يستحق المحاولة زي ما فِضل طول حياته بيحاول يعبر للناس عن اللي جواه، مبدئياً ف أنا من جيل نشأ على كره شاهين، معاصرناش مشاكله ولا شوفنا بداياته، كبرنا وكل معرفتنا عن شاهين إنه مخرج صنعه الإعلام، بيعمل أفلام مش لينا، بيتفلسف وسينماه مش مفهومه، بعيد عن الواقع، بيحرض على الفسق وانتوا عارفين الباقي.. فكان طبيعي نبعد عنه ومنحاولش نكتشفه زي ما اتحرم علينا حاجات كتير حلوة، لحد ما يجي الوقت اللي قال شاهين عنه أفلامي ممكن تتفهم بعد ٣٠ سنة ومؤخراً تبدأ الناس في اكتشاف أفلامه من تاني تتكلم عنها وعن جمال شاهين ونتيجة لده يترمم أفلامه ويتجلى جمالها أكتر،  فهل ده كان إيمان منه بالجيل اللي جي واللي دايماً كان يتغنى بيه في أفلامه؟ إيمان بقدرة الجيل ده على النقد وحب الجمال والثورة! 


شاهين درس المسرح قبل بدايته السينمائية وبيظهر تأثره ده بشكل كبير في أفلامه سواء عقدة هاملت المتيم بيها أو الاستعراض الغنائي وتوزيعه للإضاءة والمونولوجات... 


بداية شاهين الفعلية كانت بفيلم بابا أمين عام ١٩٥٠ فيلم فانتازي لطيف بيندد بقيمة الترابط الأسري، حميمي ويمكن ده كان نابع من افتقاد شاهين للحميمية دي... 


ثورية شاهين بتبدأ من فيلم فيلم باب الحديد، قضية جريئة في مجتمع محافظ، على المستوى البصري طفرة، بيكسر تابوه نجوم الشباك عن طريق شخصيات هنومة وأبو سريع ودي كانت سقطة الفيلم الكبرى عند جمهور السينما.. هند رستم متمرغة في الطين وفريد شوقي ملك الترسو بينضرب! ونتيجة لده بيكسر الجمهور السينما ويقال إن شاهين تم التعدي عليه وقتها وبيفشل الفيلم في شباك التذاكر...  


من ضمن اللي بيتقال عن شاهين إنه ابتعد عن واقع مجتمعنا ودي جملة في قمة العبث، هل المخرج اللي عمل فيلم بقيمة الأرض هو  مخرج بعيد عن الواقع فعلاً؟ 


 الميزة الكبري لشاهين هي ذاتيته ودي بتجعلني أفاضله على أي مخرج مصري لاعتزازه بيها، فخره بالفنان واهتمامه إنه يوصلنا كل حاجة بعنيه، الإنسان أوقات كتير مبيدركش الجمال وبيحتاج أحياناً للي يرشده، يدله ويشاورله عليه وشاهين أدرك ده كويس لدرجة إنه يظهر في سينماه أوقات كتير إنه بيتحايل وبيترجى المشاهد يشوف بعنيه، يحس اللي يحسه " خد عنيا وشوفه بيها هتلاقيه جواك جميل " وممكن حب يوسف شاهين لمحسن محي الدين اللي محدش كان مقدره هو انعكاس للعقدة اللي لازمت شاهين طوال مسيرته من عدم التقبل والنبذ من الجمهور... 


شاهين وعلى عكس معظم المخرجين المصريين كان بيهتم بالقضايا الجوهرية، بيبعد عن الواقع وبيتكلم عن الإنسان نفسه وكان عنده إيمان بالخير اللي جوه البشر والرابط الخفي العظيم بينهم.. بيتجلى ده بشكل عظيم في تجربتين هم أقرب تجاربه لقلبي.. حدوتة مصرية ( ١٩٨٢ )، الاختيار (١٩٧٠ )


في فيلم حدوتة مصرية بيطرح شاهين أكبر مشكلة للإنسان في نظري وهي بعد الإنسان عن ذاته وعن حقيقته وعن الخير اللي جواه، بيتكلم عن نبذ الإنسان للطفل وللروح البريئة اللي جواه بسبب نبذ المجتمع للطفل ده وقسوته عليه، ولكن شاهين جاهداً في تجربته بيسعى لعمل تصالح مع الطفل اللي نبذه الفنان، الإنسان ومن هنا بيكون خلاصه.. في تقبل نفسه 


أما عن الاختيار فبعيداً عن خلفيته السياسية هو قضية جوهرية في أساسه، فالقصص البولوسية بيشوبها دايماً إنها بتدور في تيمة واحدة، الفقير يقتل الغني علشان فلوسه، غيره منه، طمع، لكن هنا شاهين تغلل لجوهر الإنسان، قدر يثبت إن فيه شيء أعمق وأرسخ في الإنسان أكبر من حبه للماديات.. شاهين بيتغنى بالحرية في فيلمه، بيجسد السجن اللي بيعيش فيه أصحاب نزعة التملك والمتهافتين على الحياة.. بيجسد الخطيئة الأولى في الدنيا، قتل قابيل لهابيل.. الغيرة ولكن الغيرة بمفهومها الأعمق..


شاهين كان شجاع، وطني بيعتز بوطنيته

ودايماً في أفلامه حاضر إسم بهية.. وحتى بيغنيلها بكلمات الشيخ إمام  في فيلمه العصفور 

" مصر ياما يابهية يا أم طرحة وجلابية "  

 له أفلام ثورية كتير زي عودة الإبن الضال( ١٩٧٦) والعصفور( ١٩٧٢ ) وطبعاً الأرض وإسكندرية ليه والاختيار وحتى آخر أيام حياته بيشارك بفيلم هي فوضى ( ٢٠٠٧ ) وعانى مع الرقابة مش زي ما بيقال إنهم كانوا بيبصوله نظرة الأستاذ ف كانوا بيعدوله،  لا شاهين كان في صراع دائم معاهم  ومع المنتجين وبيظهر ده في أفلامه وخصوصاً حدوتة مصرية... 


ده بجانب اعتزازه بالرموز الوطنية والناس المصرية البسيطة زي محمد منير ونجيب محفوظ وصلاح جاهين وعبد الرحيم منصور وعمر خيرت والشيخ إمام وعبد الحليم وأم كلثوم وغيرهم كتير من اللي بيجسدوا الهوية المصرية الأصيلة..


يقال إن في الفترة التانية لشاهين بتقسيم مسيرته إلى شقين كان له سقطات كتير وبالرغم من إن ده حصل وبشهادته هو نفسه لما قال كلام مضمونه أنا عملت ٥،٦ أفلام حلوة وقليل كويس والباقي وحشين إلا إنه يملك رصيد كويس من الأفلام الجميلة جداً زي الرباعية الذاتية والمصير (١٩٩٧ ) والمهاجر (١٩٩٤ )  واليوم السادس (١٩٨٦ ) وبغض النظر عن أي تحفظات فيها فهي في المجمل تجارب جميلة ولها ما يميزها وما يسوءها... 


أما في الحقيقة فسبب حبي الكبير وتقديري لشاهين يمكن بعيد عن الموضوعية لكنه نبع من إيمانه بالبشر ومفيش شيء بيجسد ده قد التجلي اللي في أغنية حدوتة مصرية 


"يهمني الإنسان ولو ملوش عنوان " 


وكمان حبه للجمال، حميميته ورقته، قدرته العظيمة على النفاذ جوه الإنسان وإدراك هشاشته وده بيبان في عنيه، كتير بيتهموه بالقسوة ولكنه كان عكس كده تماماً شاهين كان طفل صغير، بيتعصب علشان لعبته ميمسهاش مكروه، عايز الكبار يشوفوا بعنيه وينفُذوا لروحه البريئة لكنه كان طفل عنيد بينكر.

تعليقات