القائمة الرئيسية

الصفحات


 "احذر وانت تحارب الوحوش أن تصبح وحشاً مثلهم"


-نيتشة


- Parasite (2019)


كلُ طُفيلي بطبعهِ، منذ القدم وحتمت الغريزة على أول كائنات الأرض أن تكون طفيلية، وحتى منذ خلق آدم، فما لبثت الشجرة أن تنمو إلا وأكل منها أبوينا بدافع الفضول، وما التطفل إلا إمتداد لكل فضول..


الطُفيلي هو من يتغذى على غيره، يستمد منه طاقته ويسلب موارده، يعين نفسه ولياً على كل ما ليس له.. 


ما أمامنا ليس بمجردِ صراع طبقي، وليست قضيته هل الغلبة للبروليتاريا أم لأصحاب رؤوس الأموال، ليست المعضلة هي من تطفل على الأخر ومن المنتصر في آخرِ الأمر.. 


ما أمامنا هو مجردُ عرض، عرض لغريزة ترسخت منذ قديم الأزل ألا وهي التطفل، سلسلة من النزاعات رسخت مفهوماً سُمي يوماً بقانون البقاء للأقوى، كلما زادت قدرتك على أن تكون طفيلياً كلما زادت فرصك في النجاة، بدأ الفيلم بعرض للأسرة الفقيرة وهي تتطفل على غيرها عن طريق سرقة شبكة الهاتف النقال، مروراً بحشرة صغيرة قد تطفلت على هذه الأسرة في مرقدها ومروراً بشاب عليل قد اعتلاه السُكر قد وقف أمام قبوهم رغبةً منه في نشر سمومه، هنا كان العرض الإفتتاحي لهذه السلسلة من الطفيليات، في الناحية الأخرى منزلُ فخم ولا يظهر على من ملكوه أنهم متطفلين مثل غيرهم حتى الثلث الأخير من الفيلم تتجلى حقيقتهم بالظهور، فتكون الفاجعة أن هذه الأسرة قد انتهجت التطفل منذ قدومها لهذا المنزل وأما سكانهُ الأصليين فهم رجلُ وزوجته قد أفنوا حياتهم في خدمة مالك المنزل القديم، وما كان عليهم إلا الإنصياع لمن تطفلوا عليهم طبقاً لما فرضته الحياة المعاصرة من قوانينَ حكمها المال بدون أي اعتبارات قد تؤخذ في الحسبان عن من هو الأجدر ومن هو صاحب الحقِ.. 


يؤخذ في الحسبان أن الطفيلي الضعيف دائماً ما ينصاع لخدمة الطفيلي الأقوى وأيضاً قد يمتن له بالولاء ظناً منه أنه سبيله الوحيد للعيش فنرى زوج الخادمة القديمة يسكن قبواً ويقدم الولاء لرب الأسرة الغنية وحتى دون علمهِ وهنا تجلت غريزة الولاء للطاغية بالظهور وهي غريزة يشوبها الذلُ، قد رسخت نفسها على مر التاريخ في كل مكان وما على صاحب الولاء سوى تقديمه لمن هو أعلى منه شأناً رغبةً في العيش والحروب التاريخية هى خير مثال.. 


سلسلة مستمرة من الذل، لن يعلو من لم يكتب له ذلك، فقد كتب عليه الذُل وصعوده دوماً ما يؤول للهاوية كما كتُب على الأسرة الفقيرة التي قد ظنت أنها هي الأكثر طفيلية، ولكنها كالهنود الحمر قد سُلبوا حقهم في العيش وفجأة لم يعد لهم ما كان مقدراً أن يكون ملكهم..


في ذروة الحدث أو بالأحرى بنهاية التاريخ نرى من خمد لسنين قد هلَ ثائراً، أشبه بالمجنون يترنح يميناً ويساراً، لم يعِ حتى من سلبهُ حقه، فقط حركته رغبته بالثأر، مسبباً الفوضى والوحشية في جميع أنحاء الأرض، تسلسل من الأقل طفيليه إلى أقواهم ينتهي بالخسارة الفادحة للجميع عملاً بمقولة نيتشه فالجميع أصبحوا كالوحوش..


ينتهي التاريخ ومن بدأ بالظلام ينتهي به الأمر للظلام..



تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. المقال دا من أكتر كتاباتك اللي بحبها والله لدرجة اني برجع اقرأه كل فتره، حقيقي عظيم، ورؤية جميلة ومميزة وشامله للفيلم، وأجمل ما قرأت عن parasite.

    ردحذف

إرسال تعليق