القائمة الرئيسية

الصفحات

مفارقات في سينما فون تراير وأندريه تاركوفسكي

 

عرف عن المخرج الدنماركي لارس فون تراير تأثره الكبير بالروسي آندريه تاركوفسكي، حتى وصل به الأمر إلى إهداءه فيلم

 "Anti christ"

وربما يتعجب الكثير كيف لمخرج بعنف وقسوة فون تراير أن يتأثر بسينما الراحل آندريه تاركوفسكي وهي سينما تملؤها الرقة والشاعرية..

 بالطبع يظهر ذلك التأثر في سينما لارس، في تكويناته، شخصياته وحتى أفكار أفلامه لا تخلو أبدًا في جوهرها من التأثر بسينما تاركوفسكي، كل ذلك لا يلزم فون تراير بأن يكون أسلوبه محاكيًا لسينما تاركوفسكي وليس مطالب بأن يكون برقة وحميمية تاركوفسكي فالتأثر هو شأن والأسلوب هو شأن آخر يخص المخرج ورؤيته الخاصة وإلا كان مقلدًا آخرًا لا أكثر يعيش في ظل من سبقه وذلك أكثر ما يميز لارس فون تراير عن غيره ممن تأثروا بكبار المخرجين...

ولذلك فأكثر ما ميز تراير هو اختلافه، تميزه، طرحه المغاير لكل فكرة طرحها تاركوفسكي، فإن كان آندريه قد آمن بتخليص العالم من الشر فتراير على النقيض يرى بأن المسيرة البشرية في طريقها دومًا إلى السقوط، فقد ولى زمن المعجزات بموت المسيح ولذا فتراير كالمسيخ الدجال هو عدو المسيح الذي من الممكن أن نرمز له بتاركوفسكي الذي يناقض لارس تعاليمه في تجاربه..

إن كل فكرة طرحها تاركوفسكي في أفلامه لها النقيض دومًا في سينما فون تراير، وكلُ بما يخدم رؤياه الخاصة وأسلوبه..

في الأمثلة الآتيه عرض لبعض تجارب فون تراير التي تتلاقى مع بعض التجارب في سينما تاركوفسكي، تتبنى موضوعها ولكن بطرح مغاير بما يخدم رؤية لارس..


1- Antichrist (2009) / Solaris  (1972)

يتلاقى آنتي كرايست مع فيلم سولاريس بأنهما يشتركان بفكرة الوهم، رحلة إلى اللاوعي يُلاقي فيها الإنسان أسوء أعداءه، نفسه وماضيه وأشد رغباته تطرفًا..

هنا كانت الغابة بفيلم آنني كرايست بمثابة كوكب سولاريس، ليسا مجرد مكانيّن في العالم المادي بقدر ما كانا يقبعان بداخل عقل الإنسان نفسه، وعند الرجوع إلى مدرسة التحليل النفسي نجد أن كل من الغابة وسولاريس هما بمثابة العلة التي لابد للمريض أن يواجهها، فيستحضر ما آلمه من الماضي وكان مترسخًا في لاوعيه إلى الوعي ليقدر حينها على مواجته والتخلص منه..


2- Breaking the waves ( 1996) / The sacrifice  (1986)


يشترك  أيضًا كل من فيلم تضحية لتاركوفسكي وتحطيم الأمواج لتراير بأنهما الإثنان يؤمنان بالمعجزة، إن فيلم تحطيم الأمواج لتراير هو أكثر أفلامه تفاؤلًا وأملًا وهو أهون أفلام تراير حتى، وعلى الرغم من كآبة لارس المعهودة فهو يؤمن هنا بالمعجزة كما آمن بها تاركوفسكي بفيلمه الأخير، وكما آمن بها كارل ثيودور دراير أيضًا بفيلمه

 Ordet 

تشترك تلك التجارب جميعا بأن أصحابها يسيطر عليهم حلمًا كيشوتيًا "نسبة إلى دون كيشوت" في إيمانه بالمعجزة رغم كل العوائق التي تقابله ورغم قسوة واقعه..

3- Melancholia (2011) / Nostalghia (1983) 


يتلاقى كل من فيلم مالنكوليا لتراير ونوستاليجا لتاركوفسكي أيضًا في فكرة الخلاص، القربان، التضحية، لتخليص العالم

 وبقولنا أن فيلم قربان وهو الفيلم الأخير لتاركوفسكي هو امتداد لفيلم نوستاليجا يكون فيلم ميلانكوليا أيضًا هو امتداد لفيلم لارس تحطيم الأمواج..

إن شخصيات لارس هي دومًا على النقيض من شخوص تاركوفسكي فهي أنانية تهتم بمشكلة فردية تهدد وجودها فإن كان الشاعر في نوستاليجا يريد تخليص العالم بأكمله من الشر فالزوجة في فيلم كسر الأمواج يهمها زوجها فقط ولا تأبه بالعالم نفسه ولذا فهي تهتم بمشكلتها الخاصة والمعجزة عندها تقتصر على معضلتها هي وليست معضلة العالم، وأيضًا على النقيض من آلكسندر الذي يقدم تضحيته لخلاص العالم فجوستين في ميلانكوليا لا تأبه بتخليص العالم كله عند دماره ولذا تحيط نفسها بهالة تحميها هي أحباءها فقط، لأنها لا تأبه بالعالم نفسه بقدر ما تأبه بنفسها ومن تحب..

بالتالي فأشخاص تراير في الأخير تكون معضلتهم هو وجودهم نفسه، مشاكل العالم لا يأبهون بها، فهم يرون في الأساس أن العالم هو مكان بغيض مليء بالقسوة والعنف لذلك انغلقوا على ذواتهم واهتموا بمشاكلهم الخاصة.  



تعليقات