القائمة الرئيسية

الصفحات

عن فيلم جين ديلمان- سينما شانتال آكرمن


شانتال آكرمن



 تنشأتنشأ الثورة الداخلية للإنسان نتيجة تتابعات وتراكمات مستمرة بطبيعة الحال قد لا تبدو ذات صداً واضح أو مؤثرة ولكن مع استمراريتها في المداومة وتدريجياً تحفز الغضب بداخل نفس المرء وبالتالي تتولد كتلة من الألم والغضب  يحملها الإنسان وتكون نتاجاً من الكبت الذي عاناه قبلاً في داخله..

إن الكبت الذي حوته جين بداخلها كان نتاجاً من روتينها اليومي الذي في ظاهره يبدو هادئاً بسيطاً واعتيادياً ولكن هذا الهدوء الظاهري يعكس ما بداخلها من يأس ووحدة واستسلام وبالتدريج يتحول هذا الهدوء إلى قدرٍ حتمي سببه التكرار، مع إعادة تكرار روتين جين اليومي قد يبدو ذاك غريباً ولكن عند رؤيته من منظورٍ واقعي يتبين أن ذاك الروتين هو ما يعيشه الإنسان المعاصر طوال حياته ولا يحاول حتى كسره وإنما ينساق ويصبح عبداً له..


إن ما يميز سينما شانتال هو تعبيرها الطاغي والمتفرد عن المرأة وما تحويه من عواطف وأفكار ومن خلال تعبيرها عن المرأة تنبع لديها القدرة في التعبير عن الإنسان بوجه عام وإن هذا فيه من علاقة أشبه بعلاقة الجزء بالكل..


إن ظهور جين وهي تمارس الجنس مقابل المال يبدو مُبرراً وهذا بدوره يخلق جدلاً بين الامتثال للضوابط والقيم الأخلاقية وما بين الدوافع الذاتية..  فهل ذلك يجعل القيم الأخلاقية تسقط أمام الدوافع الذاتية ف ظل المجتمعات الرأسمالية التي تتبع سياسة القمع؟


 ثورة جين كانت أمراً لا مفر منه منذ البدء وفي حقيقة الأمر من الصعب الجزم هل تلك الثورة نبعت نتيجة الصمت والكبت ومن ثم تحولت إلى غضبٍ عارم أم كان قدراً وإلزاماً من البداية حتى تنعم جين بالراحة والسلام النفسي! 


إن ثورة جين ليست بثورة مقتصرة على شخصها بل هي ثورة للذات الإنسانية وتجسيداً لحتمية وضرورية تمرد الإنسان نفسه ضد كل مظاهر القمع والسلطة ولذا فهى ثورة إلزامية حتى لو بدت جُرماً..


إن ما يميز أسلوب شانتال في المقام الأول هو ذاتيتها الطاغية والمتفردة وبالتالي فإن أشخاص شانتال هم هي وهي جميعهم.. 

 أيضاً تعتمد شانتال بشكلٍ ملحوظ على المساحات في تجاربها لوصف مشاعر ودواخل أشخاصها وما تحويه فالمساحات الضيقة تعتمد عليها شانتال بشكلٍ كبير ويتمثل ذلك في غرف الفنادق والبيوت وإن ذلك يعكس المحدودية التي تقبع بداخلها شخصيات شانتال والتي تتمثل في ذاك السجن المادي الذي تأبى أشخاصها الخروج منه.. 

أما بالخارج فدائماً ما تعاني شخصيات شانتال التيه والشرود وكأنها لا تنتمي لذاك العالم ويظهر ذلك بشكلٍ ملحوظ في فيلم 

The meetings of Anna

وتحديداً مشهد القطار، يتجلى فيه تيه آنا فمحطات القطار هي محطات الحياة التي عبرتها ومازالت تتخطاها في شرود  وعدم مقدرة على اتخاذ قرار..


تعاني أشخاص شانتال أيضاً من فقدان الهوية ويظهر ذلك بجميع أفلامها ولكنه يطغى بفيلم 

 Je, tu, il, elle


التي تظهر به شانتال كبطلة لتعبر عن نفسها؛ فهي تبحث بدورها عن نفسها في الآخرين وتحاول الشعور بماهيتها عن طريق الجنس، تعبر عن عزلة الفنان وتخومه وتخوفه من مواجهة العالم..


 

أما بفيلم 

News from home


وهو أكثر أفلام شانتال ذاتية وحميمية فتقدم شانتال مفارقة بين موطنها الأم وهدوءه وبين مدينة نيويورك المزدحمة التي يفقد فيها الأشخاص ذواتهم وأحلامهم..


إن الفرق بين التيه الذي تعاني منه أشخاص شانتال وأشخاص أنجيلبولوس مثلاً أن أشخاص شانتال تتأثر بالواقع وتؤثر به أما أشخاص أنجيلوبولوس فهى تهيم في عالمٍ حالم، تهيم في لاوعيها حتى تتوه أما أشخاص شانتال فهى دائماً ما تبحث عن الحلول في الواقع نفسه برغم شرودها وليست أي حلول إنما حلول جذرية لتنهي ما يؤرقها ولكنها أحيانًا ما ينتهي بها الحال كأشخاص أنجيلوبولوس، في تيه تام وعدم القدرة على اتخاذ قرار..


 جين ديلمان هو نقطة محورية تنحدر منها سينما شانتال وهو خير بداية لتحليل نهجها وأسلوبها والذي يتمثل في الدعوى التي تنادي بها شانتال دوماً وهي ضرورية التمرد على الذات.



- Jeanne Dielman (1975)

Directed by: Chantal Akerman

تعليقات