القائمة الرئيسية

الصفحات

عن ال Personification في السينما وكيفية توظيفه

 "انعكاس الداخلي على الخارجي أو ال Personification واستخدام المرايا في السينما "





إن ما يميز السينما عن غيرها من الفنون هي قدرتها الطاغية على تصوير المشاعر والأفكار وقد يتجسد ذلك بشكلان إما مباشر وإما غير مباشر، إن التعبير عن الحزن والتعاسة يكون جلياً عند رؤية رجل يبكي، وإن السعادة لتظهر بشكل واضحٍ عندما يهمُ ذاك الرجل بالوقوف ويبدأ بالضحك والصياح... 


وإن تلك الطريقة المباشرة قد تكون كافيةً عند التعبير عن المشاعر التي هي بدورها مفهومةٍ أو واضحة ويسهل تجسيدها كالحزن والفرح ولكن ماذا عن المشاعر التي يصعب شرحها أو تجسيدها أو حتى الكلام عنها لتوضيحها؟ 


في تلك الحالة يلجأ الفنان إلى التعبير بالشكل غير المباشر والذي لا يكتمل في معظم الأحيان إلا بالاستعانة بعنصرٍ خارجيٍ إضافي من السهل تشكيله وحينها يعطي بعداً وعمقاً لذلك الشعور الغامض فيصبح حينها من اليسير فهم ماهيته التي يستعصي على الإنسان شرحها أو إيضاحها..

 

إن المشاعر الإنسانية بلا نهاية وكالطريق المسدود تبدو وكلما حاول الإنسان فهمها أو تحطيمها كلما ابتعد عن ماهيتها ووجد آلاف السدود ولذلك فإن الاكتفاء بتوضيحها عن طريق الإنسان نفسه قد يكون فيه شيء من النقصِ والفقر ولذلك في كثير من الأحيان قد يحتاج المرء إلى من يشاطره مشاعره كي يفهم ماهيتها ويبدأ بفك ألغازها وأحياناً قد لا يفهم الإنسان ما بداخله وبمجرد رؤيته لشخص يعاني ما يعانيه يتجلى له حينها ما بداخله ونتيجة ذلك فإن الإنسان في أمس الحاجة دائماً إلى شريك حتى لو لم يكن بشراً، شريكاً يعكس ما بداخله كي يصلَ إلى الغايةٍ الأسمى وهي الراحة...


تختلفُ طريقة البشر في التعبير عن مشاعرهم، كذلك الفنان.. من فنانٍ إلى آخر تختلف الرُوى وتختلف كيفية التعبير...


فمثلاً في سينما بريسون دائماً ما تكون شخصياته في رحلةٍ  إلى الهاوية وكلما توغلت شخصياته في تلك الرحلة كلما تحطم بالتدريج كل بريء بداخلها وقرب الإنتهاء الكامل يعكس بريسون ذلك في عنصرٍ جامدٍ ومادي فمرةً يتحطم كرسي وفي أخرى يتهشم زجاجاً وبذلك يصل أشخاص بريسون إلى التحطم الداخلي التام الذي بدوره نتج عن الإنكسار المعنوي بداخل الشخصية وبذلك فإن بريسون يجسد الكسر المعنوي بكسرٍ خارجيٍ ماديٍ وانعكس ذلك في كثيرٍ من أفلامه منهم

Mouchette,  Au Hasard Balthazar, L'Argent


أما عند كيشلوفسكي وفي فيلمه" A short film about love" 

فإن فقدان الحب وهو الفقدان المعنوي لشعور ما يتم التعبير عنه عند سكب المرأة لزجاجة اللبن حينها فقط تبدأ بالبكاء.. 


إن الإنسان وفي حالته الطبيعية لا يأبه بصغائر الأمور ولكن حينما يكون هشاً وضعيفاً تؤلمه كل صغيرةٍ لأنه حينها يشعر بأنها انعكاس لما بداخلهِ من ألمٍ وحزن وبالتالي فإن سكب زجاجةٍ اللبن يصبحُ في لحظةٍ خاصة إنعكاساً لما فقدته من حبٍ ومشاعر لم تعد لها وجود وبالتالي فإن المرأة في تلك اللحظة تبدأ بالبكاء لأنها فَهِمت عِلتها...


وفي فيلم " Century of Birthing" يعبر لاف دياز عن الصدمة.. 


إن الصدمة هي لحظة من الهدوء التام في غالب الأحيان لا يعي المرء كيف يعبر عما بداخله حينها فلا يجد سبيلاً غير الصمت..


ولا يكتفي دياز بصمت بطلتهِ كي يعبر عن صدمتها ولكنه يعزلها فعلياً عن العالم فتمشي المرأة في طريقٍ وحدها وكأنها الوحيدة في ذاك العالم ويتلاعب دياز حينها بشريط الصوت فلا ينجم عنها أو عن ذاك العالم المحيط بها صوتاً وبالتالي فإن الصمت يخيم على ذلك العالم الخارجي المحيط بها فيعكس ما بداخلها من صدمةٍ وألمٍ وعزلة لا يكفي صمتها أن يعبر عنه...


من أكثر التيمات إنتشاراً لانعكاس الداخلي على الخارجي في السينما هو توظيف المرايا في ذلك وبرغم سهولهٍ ذلك واستسهال البعض التعبير عن دواخل وأبعاد أشخاصهم عن طريق المرآة فإنه من السهولة التفرقة بين مبتذلٍ وحقيقي...


يمكن اقتسام تلك التيمة إلى 3 أقسام


التمعن- المرايا الضبابية- المرايا المكسورة


إن الذي يمر على المرآة مرورَ الكرام كي يراجع مظهره أو يقوم بحلاقةٍ ذقنه مثلاً ليس كنيظره الذي يقف أمام المرآة ليتمعن فيها وإن السر يكمن في ذاك التمعن...


إن النظر للمرآة في بعض الأحيان هو لحظة البصيرةٍ والإدراك فحينها لا ينظر المرء إلى الشكل المادي بل ينظر إلى روحه التي يستحضرها عن طريق وسيط وذاك الوسيط هو مرآته، إن التمعن في المرآة فيه من العبودية الكثير فحينها يستجدي المرء من المرآة العطف ليفهم كل ما اختبء داخله ولم يفهم ماهيته... 


فمثلاً في فيلم "Under the skin"

تتمعن الفضائية جسدها أمام المرآة لتحاول فهم آلية هذا الجسد وتفسر غموضه ولكن عينها تملؤها الحسرة لأن ما أرادت فهمه حينها لم يتسنى للمرآة شرحه فاكتشفت أن العلة بداخلها وأن علتها هي افتقادها للروح لا الجسد الذي سعت له أما في فيلم  " Century of Birthing" 

فحينما تنظر الراهبة إلى جسدها تشعر بالعار الذي لحق بها ولا يعني ذلك أنها لم تشعر قبلاً به ولكن التمعن في المرآة قد جعلها تعي ذلك جيداً وتستحضره ، أما في فيلم "زوجة رجل مهم "  ينظر الظابط إلى نفسه في المرآة فيعي حينها كم تغير  ولا يعني ذلك أنه لم يتغير قبلاً ولكن ذلك يأتي متمماً ومكملاً للتغيير الذي حدث بداخله وبذلك فالمرآة تصبح وسيطاً وانعكاساً يعبر عن التغير في تلك الشخصية ولكن ذلك الوسيط لا يقتصر على كونه مادياً بل يصبح روحاً تجسدت في سيدٍ وتنبهُ مستعطفها إلى ما لحق به..


إن المرايا الضبابية دائماً ما تعكس حالةً عدم فهم الشخص لذاته أو حالة التيه التي تنتابه ففي فيلم 

"The mirror" 

مثلاً فالأم تنظر إلى مرآة ملؤها التراب وتبدأ بإزاحة التراب عنها لترى كم أصبحت عجوزة، ربما قبل أن تمسح التراب لم تعِ كونها عجوزة حتى...  بجانب أن النظر في المرآة في تلك اللحظة لم يكن حقيقياً حتى بل كان حلماً أو لتعبيرٍ أدق كابوساً يفشي عما بداخل الأم من خوف ورهبة من أن تكبر وهي منتظرةً من لن يعود وربما نذيراً لها كي تدارك نفسها وإن لم يكن حلماً فهو حقيقة روحها التي عانت الكثير فهرمت بداخلها وبذلك فإن المرآة في تلك اللحظة تعكس حقيقة روحها وتعبر عن حالة التيه والتخبط بداخلها... 


 وفي فيلم 

" Anomalisa"


ينظر الرجل إلى مرآة ملؤها الضباب جراء حمامٍ ساخن ليدرك في لحظةٍ كونه عادياً كمثل غيره، عجوزاً هرماً لا يعي ما يريد ولا يعي ماهيته حتى مستمراً في حيرته... 


أما في فيلم 

"Still life"


فينظر العجوز إلى مرآته الضبابية التي أرهق الزمن ملامحها ليرى صورته غير واضحةٍ فيدرك كونه مُهمشاً طوال عمره ولكنه في لحظةٍ يستسلم لذلك ويقابل ذلك بإبتسامة يملؤها الرضا عن حياته التي ذهبت سُداً..


أما النوع الأكثر انتشاراً فهو المرايا المكسورة والمرآة المكسورة في معظم الأحيان تعكس اضطراباً بداخل الشخصية وإنفاصماً وبالتالي فإن الكسر أو الخدش في المرآة وتقسيمها لنصفين هو فعلياً ما تعانيه الشخصية من الداخل وهو  إما حالة من التشتُت أو عدم فهم الذات أو صراع ما بين طرفين أحدهما خيراً والآخر شراً كما يظهر في أفلام مثل 

"The man who sleep, Night crawler, Cleo from 5 to 7, باب الحديد.

تعليقات