القائمة الرئيسية

الصفحات

 " الأفلام الهابطة نهج جديد أم عادة قديمة " 



من فترة ليست ببعيدة بدأ يهل علينا موجة من الأفلام الهابطة، هابطة في كونها حتى لا ترتقي إنها تُسمى بسينما تجارية، السينما التجارية على الأقل عبارة عن أفلام هدفها المتعة وغرضها في الأول والأخير هو شباك التذاكر ولكن ده مبيتنافاش أبداً مع جودتها، بمعنى إن صانع العمل بيصنع الفيلم وهو مدرك تماماً كونه تجاري لكنه بيقدر قيمة كل عنصر فني ودقته وبيراعي جودة العناصر الأساسية في صنع الفيلم زي السيناريو والإخراج وخلافهم..


طيب هل أفلام البلطجة هي تجسيد فعلي للسينما الهابطة زي مهو متداول؟ 

الإجابة أكيد لا..  


كان فيه واحد صاحبي سألني من فترة هو إحنا ليه بنهاجم سينما محمد رمضان ومبنهاجمش فيلم زي إبراهيم الأبيض مثلاً مع إن الإتنين بيدوروا في نفس النطاق وهو العشوائيات والبلطجة والعنف المصاحب بالدم وخلافه؟


 هنتفق على شيء في البداية وهو إن مهما كان اللي بيتعرض من خلال النوعية دي عنيف فهو واقعي مش محض خيال فنقطة إني أمنع النوع ده من السينما عن الناس هو كيفية لتجنب العنف والإرتقاء بالوعي هو مطلب ساذج الحقيقة لإنه بكده بندد بإلغاء السينما الواقعية وبيخلينا نتغاضى عن أهميتها ودورها لإنها في النهاية مراية للمجتمع وثقافته ورصد مشاكله وظروفه المعاصرة.. 


طيب إيه يخلينا نقول على فيلم زي إبراهيم الأبيض فيلم عظيم أو كويس على الأقل وفيلم زي عبده موتة على سبيل المثال فيلم هابط؟


الإجابة ذكرتها فوق في بداية المقال وهي الجودة.. الجودة هي المقياس الأول والأخير للتفرقة مابين فيلم على مستوى فني عالي وفيلم هابط.. إبراهيم الأبيض على سبيل المثال فيلم متكامل الأركان من سيناريو لإخراج لتطور شخصيات لتصوير العشوائيات وخلق عالم كامل بيعيش المشاهد جواه مُصاحب بمزيكا بتجسد الحالة اللي قدامنا من ترقُب وخوف وأدرينالين بيعلى مع علو الموسيقى وتطور الأحداث... وعلى الجبهة الأخرى فيلم زي عبدة موتة وكأنه نسخة ممتدة من فيلم الألماني مفيش تجديد مفيش إبتكار، نفس الحدوتة ونفس الشخصية ونفس البطل المظلوم اللي بيكافح ونفس الأجواء ونفس الصراع اللي بيخوضه ودايرة الإنتقام هي هي مفيش لمسة إخراجية ولا حوار بيرتقي لمستوى الحدث اللي هو مش موجود في الأساس حتى... الفيلمين إتفقوا في إنهم أفلام بتدور في محيط عالم واحد لكن شتان بينهما... الفكرة هنا تمحورت في " الكيفية "


الكيفية والأسلوب هما اللي يصنفوا فيلم بتحفة فنية وفيلم تاني يصنف بهابط...


النقطة التانية هو هل فعلاً ذوق الجمهور إتغير عن زمان وثقافتنا إنحدرت لدرجة إن الأفلام الهابطة أو الأفلام التجاريه اللي جودتها سيئة بقت تتصدر شباك التذاكر؟ 


الحقيقة إن الذوق الفني للجمهور المصري متغيرش عن خمسيتيات وستينيات القرن الماضي بل الوضع دلوقتي هو مجرد إمتداد للذوق المعاصر وقتها طبعاً مع الأخذ بالإعتبار إضمحلال الثقافة والوعي... 


طيب ليه أطلقت عليه مسمى إمتداد؟ 


زمان كان الجمهور بيميل للصورة النمطية، بيؤمن جداً بقصص الصراع ما بين الخير والشر، قصص الحب المبتذلة اللي فيها الولد الفقير بيحارب الظروف للفوز بقلب بنت الباشا، أو مواطن غلبان بيتحدى مجموعة من الأشرار ويكون هو بطل الحدوته في النهاية وده جعل من السينما نمطية وليها تيمة محدودة نتج من خلالها ظهور سينما البطل واللي أدي لمصطلح نجم الشباك، نجم الشباك طبعاً ناتج عن صورة نمطية اتشكلت في عقول الجمهور ولو حاول الخروج عنها مش هيعجب حد لذلك بنلاقي ممثلين كتير فضلوا في قالب واحد مقدروش يخرجوا منه ولما حاولوا يخرجوا منه كانوا بيتهاجموا يا إما بيتعرضوا للفشل.. أمثال للصور النمطية ده طبعاً مع التحفظ على عامل الموهبة وتفاوتها وإن مش كلهم كانوا نجوم شباك.. أنور وجدي، توفيق الدقن، أحمد رمزي، هند رستم، فريد شوقي، ماري منيب، إسماعيل يس وغيرهم كتير... 


طيب إيه بيحصل لما الصورة النمطية دي بتتكسر؟ 


هناخد على سبيل المثال فريد شوقي وهند رستم في فيلم باب الحديد والمردود كان إيه على يوسف شاهين لما حاول كسر الصورة دي... 


باب الحديد هو تحفة فنية خالدة في تاريخ السينما المصرية، فيلم سابق زمنه على مستوى الصورة والحدث والفكرة وبالتأكيد من التراث.. 

بعد عرض باب الحديد فشل الفيلم فشل ذريع في شباك التذاكر وكان الجمهور وقتها بيكسر صالة العرض بعد مشاهدة الفيلم ويقال إن في العرض الأول يوسف شاهين إنضرب بالجزم.. وطبعاً فضل بعدها فترة ليست بالهينة حوالي 5 سنين ميعملش أفلام لخوف المنتجين من الفشل.. طيب كان إيه سبب الفشل ده؟ 


سبب الفشل كان إن الجمهور مستني الفيلم يكون فيه ضرب، مطاردات في المحطة وقصة بوليسية بطلها فريد شوقي اللي اتعودوا يشوفوه بيتخانق وبيضرب وبيطير رجالة في الهوا ولكن ظنهم خاب لما لقوا إن خيط فريد شوقي في الفيلم هو فكرة محورية مش أكتر بل وكمان فريد شوقي ملك الترسو بينضرب! وإن البطل الحقيقي هو المخرج اللي أول مره ياخد دور بطولة وطالع شاب غلبان ومريض ومبينتصرش حتى في النهاية ويكسب قلب هنومة وتكون نهاية سعيدة لا ده الفيلم بينتهي نهاية حزينة وبائسة، وكمان إزاي ياعم إنت تطلع هند رستم مبهدلة كده ومتمرغة في الطين! 


على سبيل الذكر أيضاً من الممثلين اللي اتهاجموا لكسر القالب النمطي بتاعهم في مشهد واحد مش في فيلم كامل حتى.. هو أحمد رمزي عن مشهده في فيلم ثرثرة فوق النيل لما لبَس لِبس واحدة ست وطلع يغني الطشت قالي ياحلوة ياللي قومي إستحمي... الجمهور والنقاد هاجموه والجمهور كان حجته إزاي الجان أحمد رمزي يقلل من نفسه بالشكل ده مع إن في الأساس المشهد كان عبارة عن كوميديا سوداء بتحاكي الأفلام الهابطة وقتها وإنحدار الأذواق... 


ده في النهاية بيوصل لنقطة واحدة وهي إن البلطجة وإنحدار الذوق إتوجد في السينما من زمان لكن طبعاً مع إختلاف الزمن أصبح الموضوع له شكل جديد وبدل ما بقى الجمهور يكسر صالة العرض معبراً عن إمتعاضه بقى يدافع عن أفلام السبكي وأعوانه، وطبعاً أحفاد الناس اللي كانوا بيحبوا الصورة النمطية بقوا  يدافعوا عن الأفلام التجارية ذات الجودة السيئة لإنها بتحافظ على الصورة النمطية للسينما المعاصرة بالنسبالهم واللي بتتمثل في الأكشن وشغل التشويق والقصص المُستهلكة ونجم الشباك ليس إلا.. وبقوا يوصفوا الأفلام ذات القيمة الفنية بالمملة ويهاجموا الأفكار الغير تقليدية وبيصفوها بالعمق والإدعاء المبالغ فيه.. وطبعاً ده كله في النهاية بيولد حالة الفقر الفني اللي أصبحنا بنعيشها حالياً وبنتعلق في حبال دايبه أملاً في النجاة...

تعليقات