القائمة الرئيسية

الصفحات

لارس فون ترير وسينما بنزعة أدبية

  إن سينما فون تراير هي سينما تهيمن عليها النزعة الأدبية، تستقي من  اللاهوت وتتشرب من فن المعمار والموسيقى والرسم..



 يربط تراير الفن بمسيرة الإنسان وتطوره المتمثل في رغباته ونزعاته العدوانية التي يراها هي والشر كصفات مغروسة في داخل النفس بل وفطرية، إن تلك الرؤية هي النقيض من تلك الرؤى التي تُظهر الإنسان دومًا بأنه ذا نزعة خيرة وتفرض عليه أن ينصاع لها وبالتالي فسينما فون تراير هي سينما ملئية بالتشاؤم واليأس والحقيقة.. 

ربما يقتدي تراير بما آمن به  الفيلسوف توماس هوبز حينما قال بأن الإنسان هو ذئب بالنسبة لأخيه الإنسان وبالتالي فإن المسيرة البشرية بأكملها قائمة على إبادة الآخر ونبذه..

في فيلمه ضد المسيح أو بتعبير آخر المسيخ الدجال يرصد تراير الإنسان الذي تحركه الرغبات المناقضة تمامًا لتعاليم المسيح فبدلًا من الرحمة والزهد والخير يطغى كل من الحزن والألم واليأس متمثلًا في رموز تقبع في لاوعي الإنسان المتجسد في شكل غابة موحشة،ميتة سلفًا..



وأما في فيلمه الشبقية فلا شك أن تأثُر تراير الأكبر يرجع إلى فرويد ومدرسة التحليل النفسي وبالتالي فجوي طوال الفيلم تستلقي على فراش وتحكي ماضيها لسليجمان الذي يمثل المُعالج..



تلك العلاقة هي الصورة التي أسس عليها فرويد مدرسته العلاجية التي تساعد المريض في استحضار ماضيه وبالتالي معرفة علته، ما تحكيه جوي هو رحلة في عالم موحش محكومًا من قبل أشد رغبات الإنسان جموحًا وهي الجنس، وكان الجنس هو المحرك الأول للبشر كما يرى فرويد، أيضًا لا يمكن فصل جوي عن جوستين بطلة رواية الماركيز دو ساد فجوي بشبقيتها هي نقيض جوستين التي رفضت الإغراء رغم تعرضها للأذى الدائم وبرغم تشابه رحلتيهما إلا أن جوي تستلذ بما تتعرض له من أذى دائم..


يظهر تأثر فون تراير الأدبي أيضًا في رحلة دانتي وفيرجيل إلى الجحيم في فيلمه البيت الذي بناه جاك وعوضًا عن اختيار استمرار دانتي في طريقه إلى المطهر والفردوس يهوي جاك إلى قاع الجحيم لأنه على عكس دانتي يخلو من الرحمة والخير وتلك هي الصورة التي تتوافق مع رؤية تراير للإنسان..


تجلت تلك الرؤية التشاؤمية للإنسان لتشمل أيضًا فيلم "دوغفيل"  فإن كانت جريس " نيكول كيدمان" تتشابه في جوهرها مع أبله دوستوفسكي الذي يستغله الجميع لطيبته وسذاجته فهي في النهاية ترفض المسامحة وتقبل الانتقام من كل من تتعرضت للأذى على أيديهم.. 

وهي بذلك تناقض أبله دوستويفسكي الذي يرفض الانتقام، إن تراير يمقت العالم المادي الاستهلاكي الذي  يقع الأبله كضحية له بدون أدنى رد فعل ونتيجة لذلك فتراير يرفض أن يكون الأبله متسامحًا في حقه فتتحول جوستين بدورها إلى ذئب لا يتهاون في الانتقام..



تمتد هيمنة النزعة الأدبية والتأثر بفن الرسم لدى فون تراير في فيلمه "ميلانكوليا"

فجوستين في إحدى المشاهد تستسلم لهيمنة الطبيعة وخطرها المقبل المسمى ب "اكتئاب" لتبدو كأوفيليا في مسرحية هاملت مستسلمة لاكتئابها بين الزهور ومرتمية بين أحضان الطبيعة القاتمة..



ويبدو ذلك  كقربان تاركوفسكي في فيلمه الآخير  حينما يقدم آلكساندر نفسه كتضحية لتخليص العالم من الخطر، إن تراير يشفق بدوره على أوفيليا أيضًا، فأوفيليا في مسرحية هاملت كانت ضحية لواقع استهلاكي ومادي يرفض الحب وينبذ الجمال.




تعليقات