أسامة جرجس فوزي
(19 مارس 1961 - 8 يناير 2019)
بدايات أسامة الفنية كانت عمله كمساعد مخرج في عدد من الأفلام، والجميل أنها جميعها كانت تجارب على مستوى عالي من الحرفية، وتجارب أخرى كانت مع كبار المخرجين؛ فشارك مع المخرج حسين كمال في عدد من الأفلام ( أرجوك أعطنى هذا الدواء 84، أيام في الحلال 85، قفص الحريم 86)، مع نيازي مصطفى في التوت والنبوت سنة 86، وفيلمين مع أشرف فهمي (الراقصة والطبال والمجهول في نفس السنة "1984")...
ولكن أبرز أفلامه كمساعد مخرج كانت مع بداية التسعينات فكان فيلم الحب في التلاجة سنة 92 مع المخرج سعيد حامد، وسنة 93 شارك كمساعد مخرج في فيلمين وهم؛ مرسيدس مع المخرج يسري نصر الله، وليه يا بنفسج مع المخرج رضوان الكاشف، والفيلمين هم من التجارب المتفردة جدا في تاريخ السينما المصرية، بجانب أن كل من يسري نصر الله ورضوان الكاشف هم من الأسماء اللي أفلامهم بتمتاز بهوية خاصة، مغايرة عن أي مخرج آخر، وبالطبع ده كان له أثر في تكوين تجربة أسامة وأثر على فكره كإنسان وكفنان، وبيتضح التأثر بالأفلام دي بعدين في كون الحارة والشارع بطلين رئيسين، شاهدين على ساكنيهم وغيرهم من المتسكعين والمهمشين..
أول تجربة لأسامة فوزي وهي عفاريت الأسفلت سنة 96 من خلالها بتضح نقاط إرتكاز وإنطلاق أسامة فوزي، تأثره وفكره، ونفس السمات دي متواجدة في تاني فيلم وهو جنة الشياطين سنة 99، وحتى بتمتد بعدين في فيلم بحب السيما سنة 2004، وبالألوان الطبيعية 2009 ولكن بشكل أخف، وتناول مغاير..
السمات المشتركة في جميع أفلام أسامة هي التمرد والحرية، الصراع مع المجتمع، والسلطة سواء كانت دينية، أبوية، برجوازية، حتى الوصول لانتقاد الفكر الشعبوي في فيلمه الأخير..
أول فيلمين لأسامة وهم: عفاريت الأسفلت وجنة الشياطين، حافظوا على سمات مشتركة متوجدتش بعدين في سينما أسامة؛ كتناول وتشريح المجتمع من خلال الشارع، وممكن إدراجهم تحت وصف سينما المتسعكين والمهمشين، وهو نوع ندر وجوده وتناوله في السينما المصرية، ممكن اتوجدت ملامحه في تجارب زي (شحاذون ونبلاء لأسماء البكري، الحريف لمحمد خان، ليه يا بنفسج رضوان الكاشف، والمدينة ليسري نصر الله)، في تجربتين أسامة كانوا أشخاص أكثر صعلكة، على الهامش تمامًا، أكثر ضياعًا، تسكع لا غرض سوى التسكع ذاته، وهي سمات منبعها هوية أصيلة لبصمة الكاتب مصطفى ذكري، تمثلت في اختيار الشارع كشاهد على أبطاله المهمشين، ولغتهم التي لا يعرفها سوى متسكعيه..
فكرة أخرى محورية، وسمة مشتركة بين عفاريت الأسفلت وجنة الشياطين وهو "التواطؤ" وهو في عفاريت الأسفلت يأتي متخفيًا في البدء متمثل ظاهريًا في العادات والتقاليد، مفاهيم الشرف والنخوة والرجولة، مستمرّا في الازدياد، في الكشف، ليتجلى في النهاية ويعبر عن اتفاق ضمني على التواطؤ، ولكن هنا لا تتم الإشارة لزمن بعينه أو حاضر فقط، بل لزمن قديم-أسطوري، وكأن التاريخ نفسه هو عملية مستمرة من الفضائح لابد وأن لا تكشف، فيكون التستر أشبه بضرورة للاستمرارية.
تتمثل فكرة التواطؤ مرة أخرى في فيلم جنة الشياطين، عند رغبة أهل "طبل" الميت سلفًا مداراة هويته التي اختارها في نهاية حياته، بعد تخليه عن هويته الرسمية التي يعرفه بها كل من أهله ومجتمعه المنتمي له ظاهريًا، وتتمثل المداراة في محاولتهم تغيير شكله الخارجي، كإلباسه بدلة رسمية وتحسين مظهره، ولكن طبل "الميت" يرفض الانصياع لتلك القيود، ويرفض شروط ذلك النوع من التواطؤ المجتمعي الشكلاني، وعليه ينتهي الفيلم بطبل حرًا، مستمرًا في نيل حريته إلى ما لا نهاية، وفي تلك المرة، وإن كان متواطئًا، فهو باتفاق مع أصدقاءه الشياطين..
جنة الشياطين بالذات هو تجربة مختلفة عن كل تجارب أسامة، مختلفة عن السائد في عصرها وعن ما سبقه، جريئة على مستوى الطرح والتناول، الفكرة مقتبسة من رواية جورج آمادو "ميتتان لرجل واحد" تمصير مصطفى ذكري، وبتناول مختلف، ذلك النوع ينتمي للواقعية السحرية، أن تكون الجثة بطلًا، محورًا للأحداث، روحًا حية بدون أن تخل بكونها جثة...
يأتي بعدها بخمس سنوات فيلم بحب السيما، بمشاركة الكاتب هاني فوزي(شارك مع داود السيد في كتابة فيلم أرض الأحلام 93)، وتستمر مشاركته مع أسامة إلى فيلمه الرابع والأخير بالألوان الطبيعية عام 2009...
ملامح سينما أسامة حاضرة بقوة في فيلمه بحب السيما كما فيلم بالألوان الطبيعية؛ التمرد، البحث عن المعنى، الرغبة في الاكتشاف والشغف المتمثلان في الطفل نعيم، كلها سمات تعكس نزعة أسامة واتجاهه الوجودي، كما أنها تؤكد على أن أسامة من متبعي نهج سينما المؤلف، وهم مخرجو العالم الواحد، بما يحتويه من سمات ورغبات مشتركة تحرك أبطاله...
في فيلم بحب السيما يعمل أسامة على الكشف أيضًا، بإظهار التناقض؛ بين الرغبات الدفينة وفطرة الاكتشاف وبين ما يمليه المجتمع والدين والأسرة، وهو صراع يمليه على أبطاله، لا لمعرفة الصواب أكثر من الرغبة باستيعاب الذات، وحتى مفاهيم مثل الصواب والخطأ يعيد أسامة تعريفها من خلال عيون بطله الصغير نعيم، منتصرًا للبراءة والحب في الأخير..
أما وفي فيلمه الأخير يهتم أسامة برصد أزمة الفنان؛ صراعه ضد الأهل والمجتمع وسلطة الدين، وحتى صراعه الداخلي، عن ماهية موهبته والفن ذاته والغرض منه، وينتقد أسامه في فيلمه ليس فقط النظرة الدينية المتشددة للفن، بل حتى النظرة الشعبوية المزدرية له...
ومن خلال أعمال أسامة الأربعة يمكن تبيان إلى أي مدى كان فنانًا موهوبًا، إنسانًا مخلصًا، لنفسه وللفن، مدافعًا عن حق الإنسان في التمرد والحرية، في الخروج عن المألوف، وفي الوجود.
.
تعليقات
إرسال تعليق