القائمة الرئيسية

الصفحات

 شخصيات بريسون هي شخصيات دوستويفسكية بامتياز، فهي ترتضي أن تُصلب دومًا في سبيل المجتمع- الآخر، يتضح ذلك من خلال السلوك المعتاد لأبطاله في كل تجاربه بلا استثناء، ويتجلى ذلك في أفلام مثل


Au hasard Balthasar, Mouchette, A diary of country priest


وهو نهج واضح في تجارب كثيرة لبريسون أيضًا مع تمعنها...


التمرد هو صفة ملازمة لشخوص بريسون، كما كانت صفة ملازمة لشخوص دوستويفسكي بالمثل، هنا يُذكر دوستويفسكي لأن بريسون حاكى له أربعة أعمال؛ الأبله، والجريمة والعقاب، مخلوق لطيف، والليالي البيضاء...


 والتمرد عند كل من دوستويفسكي وبريسون ليس تمرد من النوع الثوري، فذلك النوع من التمرد يحتاج للأقوياء، الشجعان، الواثقون من أنفسهم، لكن على النقيض تكون شخصياتهم، فهي هشة، رقيقة القلب، تميل للانعزال والانطوائية، ولذا يكون تمردهم من النوع الضعيف، الذي لا يحس به العالم، فهو تمرد مبني على اختلاف نابع من طيبتهم وفطرتهم الخيرة، وذلك النوع من التمرد يتم مقابلته بالنبذ والازدراء وعليه يتم إلحاق الضرر بهم، كأبله دوستويفسكي وكموشيت أو ماري في سينما بريسون...


وعلى خطى دوستويفسكي في الجريمة والعقاب، حينما يتجلى ذلك النوع من التمرد الثوري، يكون نشال بريسون، وعليه يقرر كلًا من راسكولنيكوف وبطل بريسون أن يتمردوا، من خلال رد فعل قوي، حاسم تجاه المجتمع، رافضين في الظاهر لمبدأ كونهم الضحية..


وعلى النقيض من راسكولنيكوف المتضحه نياته ودوافعه يكون نشال بريسون، فهو غامض، ضعيف وهش كباقي شخصيات بريسون، يتضح ذلك من خلال الجرم الذي يختاره بريسون لبطله، فهو لا يجعل منه قاتلًا، إنما نشالًا، وهو جرم يُفعل على "استحياء"، وهنا تتجلى سمة من سمات سينما بريسون؛ وهي كره بريسون للصخب، فمثلًا في سينما بريسون لا تظهر الأفعال الموحشة، كالتعذيب والضرب والانتهاك، حينما يتعرض كل من 

موشيت، وماري للانتهاك، أو كما تتعرض للتعذيب جان دارك وبطل فيلم الرجل الذي هرب، حتى مشاهد العراك يكتفي بريسون بشريط الصوت، وهنا يتجلى كره بريسون للصخب، ورقته أيضًا، كما يسير على خطاه ثيو آنجيلوبولس في فيلم 

Landscape in the mist 

عند تعرض الفتاة الصغيرة للانتهاك، وتعرض الكاميرا نتيجة الفعل، والألم الذي انتاب الصغيرة، أو كفيلم 

Son of soul 

حينما يختار لازلو- نيميس أن يعرض بشاعة الهولوكست عن طريق الاكتفاء بشريط الصوت..


وعليه فإن نشال بريسون هو بالفعل مجرم، ولكن على استحياء، فيختار الجريمة لأنها تجعل منه جانٍ لا مجني عليه، ولذا فحينما يتم سؤاله عن سبب حبه للنشل، لا يعرف الإجابة، هنا بالذات يتضح أن نشال بريسون ليس سوى ضحية أخرى للمجتمع، اختارت أن تصلب ولكن بطريقة مغايرة، فهو يحمل ثقل مجتمع- ووجود موبوء، والجرم الذي يختاره لا يختاره لمنفعة شخصية أو غرض، إنما هو إنعكاس لكبت نفسي يعاني منه المجتمع، يتجلى في شخصه...


نشال بريسون هو مُخلّص- مسيح جديد، يحمل إثم مجتمع مُطوع ومجبر على العيش، كآلة، مجموعات مسيرة من القمل والحشرات كما نعتها راسكولنيكوف، ولذا فبطل بريسون يرفض ذلك التسيير، عن طريق فعل النشل..


والنشل هو جريمة صغيرة نسبيًا مقارنة بباقي الجرائم، وبتأمل فعل النشل، ونفسية النشال، فهو متخوف، يهم بالاختباء فورًا إن أحس بأنه مكشوف، مترائي للغير، وهي تلك الرغبة التي يعبر عنها البطل في حديثه، فهو يتمنى لو اختفى من الوجود فقط، ولذا فالنشل هو الفعل الأمثل الذي يليق بشخص في صفاته..


إن بطل بريسون يشير لذلك الخلل، بطريقته الخاصة في التعبير عن   نفسه، ومقته الكبير لذلك الوجود، ويتجلى ذلك في جُرمٍ لا ينكره، بل يعترف به، ولكنه في النهاية مجرد سلوك، ينتهجه للتعبير عن الرفض.



-Pickocket (1959) by Robert Bresson







تعليقات