القائمة الرئيسية

الصفحات

رصد اللاوعي عند كل من تاركوفسكي، بيرجمان، بونويل وديفيد لينش

 



" ساحة اللاوعي عند كلٍ من بيرجمان، تاركوفسكي، ديفيد لينش وبونويل " 


يقال أن الوعي هو الحارس الأمين للاوعي فلا تقبع الأفكار في اللاوعي إلا عند مرورها بالوعي في البدء وهذا ما تدعمه نظريتا جان لوك وأرسطو بأن العقل هو صفحة بيضاء وبذلك فإن اللاوعي والواقع هما متلازمين لا ينفصلان عن بعضهما البعض ودائما التأثر ببعضهما البعض..  


السريالية بمفهومها البسيط هي التعبير عن مرحلة ما بعد الواقع والتي تتجلى بشكلٍ كبير في الأحلام والكوابيس وبذلك وباتخاذ تلك النقطة كأساس بالإضافة إلى نظرية العقل صفحة بيضاء فيمكن اعتبار أن أي تجربة سينمائية سرياليةً  تغور في اللاوعي هي في الأصلِ حلمُ لصاحبها وذاك الحلم نبع من تجاربه السابقة وكوابيسه نبعت من خيباته السابقة سواء أدركها أم لا... 


اللاوعي أو العقل الباطن ليسا بمكانين يمكن رؤيتهما أو لمسمها ولكن من ما يميز السينما كفن هي قدرتها على تحويل كل ماهو غير مرئي إلى مرئي، صورةً ملموسة وبرؤى متعددة أيضاً.. 


بيرجمان في فيلمه الكابوسي ساعة الذئب يصور اللاوعي على أنه قصرُ يملؤه الشر وأما كوابيسه وخيباته وأفكاره فكلها تقبع في ذاك القصر متجسدةً في بشرٍ يملكون قواً خارقة ومخيفة وبذلك فإن بيرجمان يرى أن أفكار اللاوعي تفوق الإنسان قوةً وبالكاد يستطيع مجابهتها وأما عن ساحة اللاوعي لدى بيرجمان فهو قصر مليءُ بالمتاهات والغرف المغلقة، يتنقل الإنسان من غرفةٍ إلى غرفة متناسياً ماهيته في الأساس أما عن توغل الشخصية في ذاك الحلم فتم عن طريق دخوله إلى ذاك القصر بدعوة من أفكاره التي لا تسئم مطاردته..


أما عند بونويل في فيلمه ملاك الإبادة فاللاوعي يأتي متجسداً في غرفةٍ صغيرة يتم الدخول إليها من قِبل الكثيرين وتلك الغرفة هي ساحة الحلم عند بونويل..

بونويل من رواد السريالية ومن المجددين فيها منذ ظهوره ففي فيلمه ملاك الإبادة يمكن القول أنه نقل السريالية إلى مستوى آخر تماماً مغايراً للصورة المتعارف عليها، فالسريالية لا تنفصل أبداً عن كونها ذاتية، بونويل في تجربته يكسر ذاك المفهوم بأنه جعل الكثيرين يتشاركون نفس الحلم، نفس الساحة من اللاوعي وبذلك فمخاوفهم وأفكارهم جميعاً هي واحدة وعلى مدار التجربة يحاول جميعهم التحرر من تلك الغرفة التي حُبسوا فيها نتيجة قناعاتهم...


ينأى أندريه تاركوفسكي بذاك الصراع بعيداً فيجعل من الفضاء ساحةً لصراعه وأفكار شخصه اللاوعية.. 

إن تشبيه تاركوفسكي العقل الباطن بالفضاء هو لا يقل عن عبقرية عن ما فعله بونويل فالفضاء كما هو متعارف عليه بلا نهاية وبذلك فتاركوفسكي يصنع من اللاوعي متاهة لا نهائية يصعب الخروج منها، إن كوكب سولاريس هو غرفةُ بونويل فكلُ من يزوره تترائى له مخاوفه وتطارده ذكرياته وأما ما يميز سولاريس هو أنه أشبه بالمرآة يعكسُ مخاوف كل شخص منفرداً، متحوراً حسب طبيعة كل زائرٍ له..  


أما السريالي العبقري ديفيد لينش فإنه لا يفصل بين الواقع والحلم فلا يحدد طبقتين يتم التنقل بينهما وإنما يجعل من عالمه الواقعي كابوساً وبذلك فإنه يجعل من الوجود نفسه حُلماً وعلةً وكابوساً وأما شخصه فيحارب وحيداً قبح ذاك العالم ولا يكتفي بمحاربة أفكاره اللاوعية فقط بل يحتمُ وجوده أن يحارب لاوعي العالم نفسه بغرابتهِ وقبحه وجماله الدفين.

تعليقات