في قصة المعطف لنيقولاي جوجول يحكي جوجول عن بطله أكاكي أكاكيفيتش وهو موظف يعمل في هيئة حكومية، فقير، ليس عنده أصدقاء أو أقارب.
أكاكي منزوي، يزدريه زملاؤه في العمل لفقره وخجله، ومعطفه البالي.
في أحد الأيام يكتشف أكاكي أن معطفه لم يعد صالحا للارتداء، وعليه يذهب أكاكي لترزي المنطقة وهو السكير "بتروفيتيش" يخبره بتروفيتش بأن معطفه لم يعد صالحا للاستخدام لكثرة الرقع فيه.
بعد مرور وقت يعرض عليه بتروفيتيش أن يخيط له معطفا جديدا مقابل مبلغ متوسط من المال.
يوافق أكاكي بعد تفكير طويل لأنه يعي جيدا أن ادخاره المال لشراء المعطف يتطلب منه التزاما طويلا بنظام متقفش.
بعد عدة شهور يحصل أكاكي على معطفه الجديد، يبدأ أكاكي بالاعتداد بنفسه حينما يتلقى نظرات الإعجاب والتهنئة من زملاءه في العمل، يشعر أكاكي حينها بوجوده وفاعليته، وهنا يمتن لمعطفه الجديد ويشعر بأنه أخيرا قد أصبح لديه صديق.
بعدها يتلقى أكاكي دعوة لحضور حفلة مع زملاء العمل، وتكون الحفلة بمثابة تجربة جديدة لأكاكي، يكتشف عالما لم يعرف عنه قبل الآن، والفضل لمعطفه الذي أتاح له تلك الفرصة.
في فيلم "سر طاقية الإخفاء" والذي صدر عام 1959 من كتابة عبد الحي أديب وإخراج ونيازي مصطفى.
يظهر البطل "عصفور" كموظف في جريدة، موظف متقاعس وكسول وهو أقرب للغباء، يتعرض عصفور للإهانة من قبّل كل من يقابلهم؛ من زملاءه في العمل ومديره والشرير "أمين" وهو ابن خالة "آمال" التي تحب عصفور.
عصفور غير فاعل، بالأحرى هو غير موجود.
ونتيجة لحادثة ما تحدث عن طريق الخطأ في معمل أبوه يكتشف عصفور "طاقية الإخفاء" وهي طاقية مسحورة ببودرة عفريت محترق، يختفي كل من يلبسها على رأسه.
يكتشف عصفور ذلك ويستخدم الطاقية لإثبات وجوده، فيصبح صحفيا كبيرا. يصبح عصفور فاعلا، مقدرا من كل من ازدروه في السابق بسبب الطاقية، ولذلك يكون عصفور ممتنا لتلك الطاقية التي تبدو كصديقه الوحيد.
هنا تظهر القيمة الكبيرة للطاقية، والتي تساوي عندد أكاكي معطفه، فكلا من الطاقية والمعطف هما من جعلا لأكاكي وعصفور قيمة، وهي قيمة مستمدة من "أشياء" تُمتلك لإثبات وجودهما.
الملفت أن عصفور بارتداءه الطاقية يختفي، أي ما يلزم عصفور لتحقيق معادلة وجوده وفاعليته هو فعل "الاختفاء"
على عكس ما يحدث في معطف جوجول، ففي عالم أكاكي كان يلزم أكاكي الظهور بشكل منمق أكثر لإيجاد تلك الفاعلية في مجتمعه.
في محاضرة بعنوان "كينونة الإنسان" لإيريك فروم يتحدث عن ما يسميه ب "تشييء الإنسان"
هنا يرى فروم أن الإنسان أمسى بطبعه جامعًا ومستخدمًا، فأصبحت قيمته فيما يملك وليس فيما يكون، فبدلًا من قوله "أنا أكون" يصبح القول "أنا أملك، أنا أستخدم" ومن هنا يستمد قيمته في نظر مجتمعه، النتيجة الطبيعية كما يراها فروم هو إنسان متشيء، كينونته هي رأسماله، نتاج لذلك يصبح الإنسان ذاته مشروعًا، يصبح شيئًا في نهاية الأمر، وبذلك يصل فروم إلى نتيجة نهائية وهي "الاغتراب"، والاغتراب كما يرى ماركس هو الاتحاد مع السلعة المملوكة- مع الآلة، حيث يكون الإنسان ترسًا فيها، وفي رأي هيجل هو بعد الإنسان عن حقيقته، ولذلك وُصف الاغتراب بمرض العصر، وذلك ما يفضي إلى موت المرء حيًا.
هذا بالظبط ما يحدث مع كل من عصفور وأكاكي، فيصبحون ملكا لتلك الأشياء، غير فاعلين تماما إلا بوجودها، حتى الوصول إلى الموت الفعلي كما في حالة أكاكي، والموت المجازي كما يحدث مع عصفور بإقصاءه ونبذه حين فقدانه للطاقية، وتصبح تلك هي نتيجة السعي المستمر لإثبات الوجود من خلال ما هو
مزيف متمثل في شيء خارجي مثل طاقية أو معطف، بدون محاولة الحصول على قيمة حقيقية يستمدها الإنسان من خلال ذاته هو وحقيقته.
يتمثل ذلك النوع من السعي المستمر والمهلك والمعبر عن ثقافة عصر في شخص أكاكي، فحتى بعد موته يجوب أكاكي الطرقات وهو شبح يسرق المعاطف من المارين ليلا في الطريق.
على الجانب الآخر في الفيلم، ينتهي الأمر بشخصية أمين في السجن، نتيجة لرغبة لا نهائية في تملك الذهب، والأشياء، عبر استخدام الطاقية، التي تبدو كوسيلة في حين أن أمين بدونها يبدو غير فاعل تماما، فتصبح تلك الأداة هي سبيل لهلاكه.
وكما تشير قصة المعطف لبيروقراطية سامة كانت سببا في
موت أكاكي حين ذهابه لرئيس الشرطة، يشير الفيلم إلى نوع مغاير من البيروقراطية متمثل في سلطة رئيس الجريدة التي يعمل بها عصفور، وعلى امتداد ذلك الخط بدءا من قصة جوجول يظهر نوع ما من الوهم- يفرضه القوي على الضعيف- متمثل في سؤال أمين لعصفور عن محتوى العلبة الصغيرة التي تحتوي على خاتم، بينما يلقنه أمين بأن ما يراه في العلبة ليس بخاتم، بل فيل، وهو نوع من الفرض السام يتداخل مع فكرة "الوهم" المتمثل في طاقية الإخفاء- بفرض ثقافة على الجمهور/ الآخر - مغايرة للواقع المعاش.
تعليقات
إرسال تعليق