القائمة الرئيسية

الصفحات

عن فيلم صامويل بيكيت ورأس الممحاة لديفد لينش

 

يعرض الكاتب الأيرلندي صامويل بيكيت في الفيلم الذي أخرجه عام 1965 

بعنوان  "Film" 

وبطولة نجم السينما الصامتة باستر كيتون معاناة الإنسان الكبرى والتى تتجلى في وجود الإنسان ذاته؛ أي إحساس أنه موجود ويتعاطى فعليًا مع جميع معطيات الكون ويتفاعل معها بكل حواسه..


بوستر فيلم صامويل بيكيت- بطولة باستر كيتون


يرصد بيكيت في فيلمه محاولة هروب شخص من عالمه الواقعي، فهو بدوره يرفض وينبذ ذاك العالم وذلك الواقع فيسعى لمحو أي صلة تربطه بالعالم وبواقعه..


يعزل بطل الفيلم نفسه في غرفة خاصة تخلو من مظاهر الحضارة، والحياة، غرفة خالية يتوسطها فقط سوى كرسيْ، أيضًا يهم بإخراج كل كائن حي يستطيع بدوره أن يرصده، يُخرج أدق الكائنات الحية خارج الغرفة حتى لو تجلى وجود الكائن في عينيْ سمكة ترصده، هو يرفض أن يكون مُراقبًا حتى من عين سمكة كي لا يشعر بوجوده، يهم بتمزيق صوره القديمة في محاولة لنسيان نفسه القديمة، وفي النهاية وحين يشعر أخيرًا أنه تحرر من كل معطيات الوجود وأصبح غير مرئي، غير ملموس بالنسبة لكل ما حوله في العالم يتجلى له كابوسه الأكبر وعدوه الأخير وهو نفسه، وعند انعكاس صورته له يتبين أن وجوده في العالم هو السجن بذاته فحتى لو ترفع عن كل مظاهر الوجود فوجوده نفسه هو المشكلة..  

ربما بيكيت في فيلمه رسالة مبطنة تدعو للانتحار كما في عوالمه الأدبية ولكنها لا تبدو بتلك المباشرة هنا، بل يضعها بيكيت كحل نهائي لبطله إن أراد أن يترفع بصدق عن وجوده القسري في الحياة، والفيلم في النهاية هو تصريح شديد اللهجة يرفض بيكيت فيه الوجود وقوانينه... 


تتجلى محاولة أخرى للتعبير عن رفض الوجود في الفيلم الأول للمخرج السريالي الأمريكي ديفيد لينش المُعنون ب "Eraserhead" 


ولا تختلف كثيرًا محاولة لينش عن محاولة بيكيت من قبله بل أن محاولة لينش تصب بعمق في عوالم بيكيت، فالإنسان فيها في حالة هروب دائم من عالمه، من نفسه والوجود بالنسبة له أشبه بكابوس كبير، مليء بالأماكن التي فسدت بسبب الحرب وبسبب العنف البشري المتأصل في الإنسان نفسه، حتى الضمير فهو متجسد في بكاء طفل صغير مُشوّه، لا ينفك عن مطاردة أباه الإنسان الخاطئ، إن الطفل المُشوه هو نتاج لحضارة مشوهة، وجود بائس أصبح جميع نتاجه مشوه، وليس تشوهه ظاهري بل هو تشوه جوهري، متأصل وعميق الأثر ومرتبط بوجود الإنسان، هو تشوه أصبح المرء معتادُ عليه ومجبر على تقبله..


ربما ينهي لينش تجربته بالمثل فيعبر عن رغبة الإنسان الكبيرة بالهرب من واقعه، الاختفاء النهائي من الوجود في ظل واقع لا يأبه بفردانية الإنسان، فالواقع نفسه في محاولة دائبة، مستمرة في رفض هوية الإنسان وتهميشه، وهو دائم استهلاكه لضمان استمراريته، فيكون وجود الإنسان كرأس الممحاة لها استخدامها المؤقت ثم تزول ولا يبقَ لها أثر.


رأس الممحاة لديفد لينش

.

تعليقات